الفشل الدراسي: كيف تتعامل معه؟

تُعرف الصدمة بأنها موقف أو حَدَثْ مفاجئ وخارج عن المألوف، يتعرض له الإنسان، ويتسبب له بالأذى النفسي أو الجسدي بطريقة تعجز معها قدراته النفسية والمادية عن التعامل مع الحدث؛ حيث يشعر بأنه عاجز تماماً ولا يمكنه فعل شيء.
ويتعرض الإنسان للعديد من الأحداث الصادمة، التي تتفاوت في شدتها وأثرها، كتعرضه للإساءة النفسية أو الجسدية، أو موت أحد أحبته، أو التعرض لحادث يفقده أحد أطرافه، أو الحرب، أو التعذيب، أو فقدان العمل، أو الرسوب وغيرها.
مراحل الصدمة
يمر الإنسان الذي يتعرض للصدمة بمجموعة من المراحل، تبدأ بالإنكار، وهو ناتج عن شعور الفرد بالمفاجأة، فيرد بشكل لاإرادي: هذا غير صحيح، غير معقول.. إلخ. ومن الطبيعي أن تمتد فترة الإنكار هذه من ثوان إلى أيام معدودة، وفي حال امتدت لفترة أطول فيعتبر هذا مؤشرا على احتمالية تعرض الشخص لاضطراب نفسي، أو أنه يعاني بالفعل من اضطرابات نفسية سابقة.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الانفجار الانفعالي، والمتمثلة بالبكاء الشديد والصراخ والغضب، أو البكاء بصمت والانعزال عن المحيط. ثم تنتقل الصدمة إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة التفاوض أو المساومة؛ حيث يبدأ الإنسان بمحاورة نفسه، لمحاولة التغيير من الحدث أو التساؤل عن قدرته على الاستمرار: ألا يمكن أن يكون هناك خطأ في التصحيح؟ أو أن يعود الطالب لأوراق امتحاناته ويستعيد إجاباته عن الأسئلة، ويقول لماذا رسبت إذن؟
ثم تأتي مرحلة التقبل والتي يشعر فيها المرء بأن الأمر قد وقع وانتهى، ولا بد من التعامل معه ومع نتائجه. وأخيرا يدخل الإنسان المصدوم مرحلة التكيف، وهي المرحلة التي يبدأ فيها محاولات البحث عن سبل استعادة حياته وتوازنه النفسي.
المشاعر المصاحبة للصدمة
من أكثر ردود الفعل النفسية ظهورا عند الصدمة الشعور بالخوف، والذنب، والحزن، والارتباك، والشعور بالفقد والخسارة، والغضب، وهي مشاعر طبيعية ترافق الصدمة، وغالبا ما تكون مرتبطة معا ويصعب فصلها. ويواجه الأطفال خصوصا صعوبات كبيرة في فهم هذه المشاعر والتعبير عنها.
وتؤثر المشاعر المصاحبة للصدمة في تفكير الإنسان وقدرته على القيام بوظائفه. وتختلف طريقة كل شخص في التعبير عن مشاعره تجاه الصدمة، وقدرته على ضبطها وفقا لمستوى النضج الانفعالي لديه، وتجربته في الحياة، ومدى صحته النفسية، ودرجة تقديره لذاته، والضغوطات التي يعيشها في حياته.
ماذا عليّ أن أفعل؟
تؤثر استجابة البالغين للأحداث الصادمة في استجابة الطفل لها والشعور بأنها كارثة أو أمر يمكن تجاوزه، فالأطفال يقلدون ردود الفعل النفسية التي يُظهرها الأشخاص البالغون المقربون منهم، وهذا يتطلب من البالغين الانتباه والتعامل بمسؤولية تجاه مشاعرهم وطريقة تعبيرهم عنها أمام الأطفال.
والخطوة الأولى لمساعدة الطفل على التعامل مع الصدمة هي أن نسيطر نحن على غضبنا، وألا نعبر عن ردود فعل غير متزنة أمام الأطفال، ففي حال رسوب الطفل، يشكّل قول الأهل له: “لم أكن أتوقع منك ذلك”، “لقد خذلتني”، “انظر كيف نجح أقرباؤك”، “لقد فضحتني”، كل هذه استجابات تقودنا إلى الحديث عن مكان الطفل في دائرة الاهتمام؛ فحين يكون الطفل هو مركز الاهتمام بالنسبة لنا، فإننا نهتم بمشاعر الطفل ونمنحها أولوية على مشاعرنا. أما حين تكون مشاعرنا هي مركز الاهتمام، وكل ما يهمنا هو صورتنا التي نتخيل أنها تشوهت نتيجة الحدث، فإننا لن نعبأ بحاجات الطفل أو صحته النفسية، وسنقوم بتعريضه لمشاعرنا، والتعبير عنها بطريقة سلبية، وهو ما يسمى بالاستغلال العاطفي للأطفال، وهو أحد أشكال العنف النفسي المعروفة.
أما الخطوة الثانية المهمة، فهي الإصغاء الجيد للطفل ومساعدته على التعبير عن مشاعر الغضب، والحزن، وحتى يكون هذا الاستماع فعالا ويساعد على تنفيس غضب الطفل، فينبغي أن يتم بدون النقد والحكم على مشاعره، أو لومه وتأنيبه، فمن الطبيعي أن يحمل الأطفال ردود فعل غاضبة وحزينة ويشعروا بالفشل والخذلان. وهنا يمكن أن نقول للطفل: “أنت حزين جدا بسبب الرسوب”، “أرى أنك غاضب جدا”، “ربما تشعر بالخذلان بسبب الرسوب”، استخدام هذه العبارات بنبرة من التعاطف والتفاهم سيساعد الطفل على الانفجار والتعبير أكثر عن مشاعره. وعلينا أن نخبره أن هذه المشاعر طبيعية وأننا نتفهمها ونتفهم حقه بالشعور بها، مع التركيز على التواصل البصري معه، والإيماء بالرأس والابتسام.
وإحدى استراتيجيات الاستماع الفعال هي إعادة ما قاله الطفل بصياغتك، ليعرف أنك تستمع جيدا، مثلاً: “تقصد أنك بذلت جهدا دراسيا كبيرا، ولكن هذا لم يُفلح؟”، ويمكن أن تُتبع ذلك بالتأكد من أنك فهمته بشكل واضح، بقول: “هل فهمتك بشكل دقيق، أم تريد أن توضح أكثر؟”.
وعلينا أيضا أن نتفهم ونوضح للطفل أنه ليس الحدث بعينه هو ما يتسبب لنا بالغضب بل طريقة تفكيرنا في هذا الحدث، وأنه ليس كارثة ستقلب حياتنا، وأن تطوير نظرة مختلفة تجاه الحدث ستساعد جدا في تجاوزه. وهنا يمكن أن تقول للطفل: كيف سيؤثر هذا الأمر في حياتك؟ هل سيجعلك تفقد أسرتك؟ أو تفقد أصدقاءك؟ نعم هو صعب ومحزن ومؤسف، ولكن ألا ترى أنه يمكننا أن نعمل معا لوضع خطة لتجاوز الموضوع والنجاح في السنة المقبلة؟ دعنا نفكر معا ماذا يمكن أن نفعل؟
كما عليك أن تعبر للطفل عن مشاعرك الحقيقية تجاه رسوبه، حتى لا تبقى مشاعرك بالنسبة له أمرا غامضا، ويبقى خائفا من موقفك منه، أو من تأثر حبك له بهذا الأمر، وهنا يمكنك أن تقول له: أنا أيضا أشعر بالأسف والحزن لأنك لم تنجح، ولكن هذا لن يؤثر في حبي لك، وأنا أؤمن أن بإمكاننا العمل معا حتى ينجح الأمر في العام المقبل، هذه الأمور تحدث ويمكننا تجاوزها.
كما يمكن تشجيع الأطفال على كتابة مشاعرهم، وبث الأمل فيهم بأن الباب ما يزال مفتوحا والفرص ستكون جيدة إن أحسنا استغلالها في المرة المقبلة، وتشجيعهم على الخروج بدون إلحاح، وممارسة هواياتهم لتنفيس الغضب.
إن ردود الفعل العاطفية الشديدة ينبغي أن تستمر في أسوأ الأحوال لأسابيع، إذا عملنا على إدارة مشاعر الغضب بطريقة إيجابية، في حين أن الغرق والاستسلام لمشاعرنا السلبية، من شأنه أن يفاقم من أثرها السلبي وربما تترتب عليها أعراض ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة، وهي أعراض تحتاج إلى تدخل علاجي نفسي متخصص.
نورا جبران