طفلك يتحدث مع نفسه.. لا تقلقي بل العكس.. كيف؟
يلاحظ الأباء أن الأطفال يتحدثون إلى أنفسهم وأحيانا يكون ذلك بقدر ما يتحدثون به إلى الآخرين أو أكثر.
يشكل هذا التحدث إلى النفس (الحديث الخاص) پريڢاتي سپييچه (كما اصطلح عليه علماء النفس المُحْدَثون) ما بين 20% و 60% من مجموع الملاحظات التي تصدر عن الطفل الذي لم يتجاوز سن العاشرة من عمره.
كثير من الآباء والمربين يسيئون تفسير هذه الثرثرة حيث يعتبرونها علامة على العصيان أو اللامبالاة أو نوعا من الاضطراب العقلي. وفي الحقيقة، إن مثل هذا التحدث إلى النفس هو جزء أساسي للنمو المعرفي (الإدراكي) لدى جميع الأطفال على حد سواء. و إن تقبل هذه الحقيقة سيؤثر بفاعلية في الأساليب المتبعة لتعليم الأطفال، الأسوياء منهم أو الذين يعانون صعوبات في التعلم.
التحدث إلى النفس (الحديث الخاص) يمكِّن جميع الأطفال من توجيه سلوكهم الشخصي، واكتساب مهارات جديدة، والعمل في مواقف غير مألوفة لهم. فعندما يواجه الطفل عملا (مهمة) جديدا، فإنه يفصح بصوت عال عن خصائص تلك المشكلات التي تبدو له محيرة. ومع تطور إمكانات هذا اليافع فإن التحدث إلى النفس ينقلب إلى تعابير غير مسموعة، وأخيرا، وعندما تتحسن ممارسة الطفل للعمليات المعرفية (الإدراكية) اللازمة لإنجاز المهمات بنجاح فإنه عندئذ سيفكر بصورة داخلية صامتة.
ومع اكتساب الطفل قدرة السيطرة على سلوكه، لا يعود التحدث إلى النفس بحاجة إلى أن يظهر بكامل أبعاده. ومع كل ذلك تظل الذات المستمع الأكثر تفهما. لذا، يحذف الأطفال من حديثهم إلى أنفسهم بعض الكلمات والجمل التي تدل على أشياء سبق أن تعرفوها في مواقف سابقة، ويقتصر حديثهم على تلك المفاهيم التي مازالت تبدو محيرة لهم. وبمجرد إتقان ممارسة العمليات المعرفية يبدأ الأطفال «التفكير في معنى الكلمات»بدلا من التلفظ بها. وبالتدريج، فإن تحدثهم إلى أنفسهم يتحول إلى حديث داخلي صامت، قوامه تلك المحاورات الواعية التي يجريها الطفل بينه وبين نفسه عند التفكير والعمل.
إن توجيهات من قبل أحد الوالدين توفر للأطفال الأطر التي يحتاجون فيها إلى محاورة أنفسهم بشكل مجدٍ وفعال. فعندما يساعد شخص بالغ طفلا في مهمة تتحداه فإن بإمكانه أن يقدم له توجيهات كلامية أو استراتيجيات تساعده على النجاح في المهمة، وعندها يوظف الطفل لغة حواره مع مرشده في تحدثه إلى نفسه. ومن ثم يستطيع في مهمات لاحقة استعمال هذه اللغة لتوجيه محاولاته وجهوده الخاصة.
ومهما يكن من أمر فإن الحاجة إلى ممارسة التحدث إلى النفس لن تختفي أبدا. فنحن حين نواجه في حياتنا أنشطة ومهمات غير مألوفة أو تحتاج إلى جهد، فإن التحدث إلى النفس يعود ليطفو على السطح من جديد، لأنه وسيلة تساعدنا على تخطي الصعاب وعلى اكتساب مهارات جديدة.
أخيرا على الآباء والمعلمين أن يدركوا القيمة الوظيفية للتحدث إلى النفس. ونحن نعلم الآن أن التحدث إلى النفس سلوك صحي وتكيفي وأساسي، وأن بعض الأطفال أحوج من غيرهم إلى استخدامه ولمدة أطول.